الطريق الى سبتة ومليلية…
صعّدت اسبانيا لهجتها على مطالبة المغرب بفتح ملف مدينتي سبتة ومليلية. فقد اعلنت مدريد في نهاية الاسبوع الماضي تمسكها بموقفها التقليدي القائل ان لا نقاش او مساومة حول وضعية المدينتين اللتين تحتلهما منذ نهاية القرن 15، في حين يؤكد المغرب انه لن يتخلى عن كون المدينتين، اضافة لجزر منتشرة مقابل شواطئه، جزء لا يتجزأ من ترابه الوطني.
سبتة ومليلية ثغران يقعان على الضفة الجنوبية للبحر المتوسط تقطنهما جالية اسبانية من ثمانين الف نسمة (50 الف في سبتة و30 الف في مليلية) يتوزع افرادها بين عائلات الجنود المنتشرين فيهما، وتجار يعتمدون في نشاطهم اساسا على السلع المهربة الى المغرب والتي تكبد الاقتصاد المغربي خسارة سنوية يقدرها الخبراء بحوالي ملياري دولار سنويا.
ويقطن في المدينتين مغاربة يقدر عددهم بحوالي 45 الف نسمة ( 25 بسبتة و 15 الف في مليلية). وتتراوح وضعية هؤلاء المغاربة وهم السكان الاصليون للمدينتين، ويطلق عليهم مسلمي سبتة ومليلية، بين حاملي الجنسية الاسبانية والجنسية المغربية، وهؤلاء يحملون بطاقة الاقامة.
لم تكن وضعية مسلمي سبتة ومليلية قضية منفصلة عن قضية المدينتين حتى 1986، حين قررت الحكومة الاشتراكية الاسبانية التي كان يرأسها فيليبي غونزاليس تخييرهم بين الجنسية الاسبانية او بطاقة الاقامة، وذلك في اطار قانون تنظيم اقامة الاجانب، اذ كان يصعب على مدريد منح مسلمي المدينتين وضعية خاصة تكون حافزا لاعطاء المدينتين هذا الوضع.
ثار مسلمو او مغاربة سبتة ومليلية ونظموا حركات احتجاجية واسعة لم تجد فيها حكومة غونزاليس ما يجبرها على التراجع عن موقفها. الا ان الملك المغربي الراحل الحسن الثاني الذي لم يكن بوسعه التخلي عن مواطنيه، وبالتالي التخلي عمّا يعتبره حق بلاده في المدينتين، ولانه لا يريد احراج مدريد، اقترح تشكيل لجنة تفكير مشتركة تدرس مستقبل المدينتين، الا ان حكومة مدريد رفضت مجرد النقاش في هذا المقترح.
عدم فتح الملف مغربيا دون اسقاط حق المطالبة المستقبلي بهما كان ضمن حسابات مغربية في جزء منها يتعلق بملف المدينتين والباقي مرتبط بقضايا سياسية تعني مدريد والرباط ومنها قضية الصحراء الغربية والموقف الاسباني من تطوراتها.
الحسابات المغربية
كانت الرباط تنتظر دائما فتح مفاوضات بين اسبانيا وبريطانيا حول صخرة جبل طارق التي تحتلها بريطانيا منذ اكثر من ثلاثة قرون، والرهان المغربي على تسوية هذا الملف الذي سيكون بالتأكيد اعادتها لاسبانيا ان وضعية ثغري سبتة ومليلية القانوني لا يختلف لا في عموميته ولا في تفاصيله عن وضعية صخرة جبل طارق، وان القانون الدولي لا يسمح في العلاقات الدولية مطالبة طرف بحق ويرفض التخلي عن حق مشابه لطرف آخر.
وكانت الرباط تراهن اثناء تأجج الحرب الباردة بين الشرق والغرب ان الشرق المتمثل انذاك في حلف وارسو ويقوده الاتحاد السوفييتي لن يقبل بإشراف الغرب المتمثل في اسبانيا العضو في حلف شمال الاطلسي على ضفتي مضيق جبل طارق، اهم شريان مائي في الكرة الارضية نظرا للاهمية الاستراتيجية وعبور كل ناقلات النفط العربي الى اوروبا والولايات المتحدة الامريكية والبواخر العملاقة الناقلة للمبادلات التجارية بين الغرب وشرق اسيا. اما عسكريا، فإن توترات حوض البحر المتوسط تجعله دائما على فوهة بركان وبحاجة الى مطافئ على أهبة الاستعداد.
وتواصل الرهان المغربي بعد انهيار المعسكر الشرقي وتفكك الاتحاد السوفييتي وانتهاء الحرب الباردة، على ما تعتبره الرباط حرص الولايات المتحدة على عدم منح اوروبا التي قد تنافسها يوما افضلية وحدانية الاشراف على المضيق.
كان هذا البعد الاستراتيجي لتأجيل المغرب فتح ملف سبتة ومليلية ومعهما الجزر المتناثرة في مياه المتوسط، وهو بُعد بقي يتحكم في الرؤيا المغربية، وفي داخله حصل من التطورات التي حفزته، اضافة لقضايا انية، للاسراع في فتح الملف منتصف الشهر الماضي من خلال انفجار ازمة جزيرة ليلى. وهو ما ادركته الحكومة الاسبانية، فأسرعت الى ارسال حملة عسكرية من طائرات اف 16 وطائرات مروحية وزوارق وبوارج حربية لطرد ستة جنود مغاربة رفعوا علم بلادهم على الجزيرة ولا يحملون من السلاح الا البنادق والمسدسات.
قضية جبل طارق
في التطورات الاستراتيجية الاقليمية، اُعلن في مدريد ولندن عن توصل الطرفين الى اتفاق لتقاسم السيادة على صخرة جبل طارق. وبالتالي، فان المغرب يريد مفاوضات مماثلة حول سبتة مليلية. وعلى الصعيد الآني، تسعى الرباط من خلال الحاحها على فتح ملف سبتة ومليلية الى اغلاق ملفات اخرى، اهمها تغيير الموقف الاسباني من تطورات تسوية نزاع الصحراء الغربية وتخفيف الدعم الاسباني لجبهة البوليزاريو وحوار جدي حول القضايا العالقة في علاقات البلدين مثل الهجرة السرية والتهريب وملف الصيد البحري.
لكن مدريد ترفض المقاربة المغربية والربط بين سبتة مليلية وجبل طارق من جهة، لكون قضيته كانت مطروحة في الامم المتحدة ومحل تفاوض منذ سنوات، وهو ما لا تتسم به قضية سبتة ومليلية. وترفض ربط ملف المدينتين بالقضايا العالقة بين المغرب واسبانيا، كون مدريد تعتبر سبتة ومليلية مدينتين اسبانيتين، ولا يفرض القانون الدولي مناقشة وضعية جزء من التراب الوطني لدولة ما مع دولة اخرى. كما يحرم الدستور الاسباني على أي مسؤول مجرد مناقشة وضعيتهما مع أي طرف خارجي، وتستند مدريد في موقفها الى نجاحها في ادخال المدينتين في الفضاء الاوروبي ومهام حلف شمالي الاطلسي.
تستطيع اسبانيا ان تحشد المزيد من السفن الحربية في مدينتي سبتة ومليلية والجزر وتقرع طبول الحرب خوفا من هجوم مغربي مفاجئ، لكن مدريد لن تستطيع ابقاء اذانها مغلقة، لان ما من احد من المغاربة، الذين قد تتباين مقارباتهم حول توقيت فتح الملف، يستطيع ان يقول بعدم مغربية المدينتين، وهو ما يؤكد ان هناك قضية مطروحة تحتاج الى حوار جدي والى توافق بين اسبانيا والمغرب يجنب المنطقة توترات هي في غنى عنها.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.