انتكاسة جديدة للمغرب
وجّـهت جنوب إفريقيا صفعة مُـؤلمة للمغرب، في وقت كان يستعد فيه لتسجيل نقاط لصالحه في نزاع الصحراء الغربية.
تمثلت الصفعة في قرار بريتوريا الاعتراف بالجمهورية الصحراوية التي تشكلها جبهة البوليزاريو منذ 1976 من جانب واحد، الذي اعتبرته الرباط “موقفا منحازا بشكل صريح ومناقض للتطلعات الشرعية التي تحظى بإجماع الشعب المغربي وللمصالح العليا للمغرب”.
إذا كانت بريتوريا قد لوّحت، ومنذ سنوات، بإمكانية اتخاذها لقرار الاعتراف بالجمهورية العربية الصحراوية الديموقراطية، وإعلان المسؤولين في الحزب الوطني الإفريقي الحاكم في جنوب إفريقيا من أن الصحراء الغربية هي المنطقة الإفريقية الوحيدة التي لازالت تحت الاحتلال، فإنها بررت اتخاذ القرار في هذه المرحلة بمشاركة مندوبين صحراويين في دورة البرلمان الإفريقي التي افتتحت يوم الخميس 16 سبتمبر الجاري في ميدراند (الواقعة بين جوهانسبورغ والعاصمة الإدارية بريتوريا)، وكان “من الصعب علينا أن نستقبل أعضاء في البرلمان الإفريقي من بلد لا نعترف به رسميا” على حد قول رسميين جنوب إفريقيين.
ونالت الجمهورية الصحراوية عضوية منظمة الوحدة الإفريقية (الاتحاد الإفريقي فيما بعد)، منذ عام 1982 بعد أن اعترف بها أكثر من نصف أعضاء المنظمة، واحتج المغرب على هذه العضوية واعتبرها “مخالفة لميثاق المنظمة” التي انسحب منها عام 1984، ونقل ملف تسوية النزاع إلى الأمم المتحدة.
وكانت دول أمريكا اللاتينية، وإفريقيا جنوب الصحراء، قد اعترفت بهذه الجمهورية، إلا أن عددا منها أعلن منذ دخول النزاع الصحراوي طريق التسوية سحب اعترافها أو تجميده، وهو ما كان المغرب يعتبره مكاسب دبلوماسية.
وقد اعتبرت نكوسا زانا دلاميني ـ زوما، وزيرة الخارجية الجنوب إفريقية، أن قرار اعتراف بلادها بالجمهورية الصحراوية وإقامة علاقات دبلوماسية معها على مستوى السفراء، “يتماشى مع مبادئ الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة وأهدافهما”، وأعربت عن أملها بأن لا يؤدّي هذا القرار إلى خلاف، مشددة على أن جنوب إفريقيا أوضحت وبررت قرارها لدى الحكومة المغربية.
تقرير المصيـــر
شعرت الرباط بقسوة الصفعة الجنوب إفريقية، في هذا الوقت بالذات الذي تتحدث فيه عن مبادرة لتسوية سلمية للنزاع الصحراوي قد تكون مقبولة من الأطراف الأخرى، سيُـعلن عنها العاهل المغربي الملك محمد السادس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع المقبل، وفي وقت تتسرب فيه أنباء من مدريد وباريس عن تعديلات يمكن إدخالها على قرار مجلس الأمن رقم 1495 الذي يضم أفكار وزير الخارجية الأمريكي الأسبق جيمس بيكر، حين كان ممثلا خاصا للأمين العام للأمم المتحدة بشأن النزاع على الصحراء الغربية.
وتتمحور مبادرة العاهل المغربي، والقرار رقم 1495، والأفكار الفرنسية-الأسبانية حول منح الصحراويين حُـكما ذاتيا موسّـعا تحت السيادة المغربية، ومع أن المبادرة والقرار والأفكار مقبولة الآن من جميع الأطراف، إلا أن المغرب يقول إن الحكم الذاتي سيكون حلا دائما، فيما تقول جبهة البوليزاريو، ومعها الجزائر، إن الحكم الذاتي حل مؤقت يُـمهّـد لاستفتاء يقرر فيه الصحراويون مصيرهم.
وأعلنت وزارة الخارجية المغربية استدعاء السفير المغربي في بريتوريا للتشاور، وهي صيغة دبلوماسية للتّـعبير عن الانزعاج والاحتجاج دون الرغبة في التصعيد، خاصة وأن الموقف المغربي، بحاجة في هذه المرحلة، التي تعرف فيها تسوية النزاع الصحراوي سلميا، منعطفا حرجا إلى أقل ما يمكن من الخصوم، وبعد أن نجحت دبلوماسية عدم القطيعة وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي اعترفت بالجمهورية الصحراوية في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي في فك العزلة عن المغرب، وبالتالي، تجميد عدد من هذه الدول اعترافها أو سحب هذا الاعتراف.
وقال بيان للوزارة، إن القرار “منحاز ومفاجئ وغير ملائم”. وأضاف أنه ” تحت ذريعة الدفاع عن مبدأ حق تقرير المصير، قررت سلطات جنوب إفريقيا الاعتراف بكيان لا يتوفر على أدنى مقومات السيادة، وأنها بذلك تتخذ حكما مسبقا عن إرادة السكان المعنيين بشكل مباشر، وضاربة بذلك عرض الحائط المبدأ الذي كان يُـفترض أن تسهر هذه السلطات على احترامه”.
تـداعـيـات القرار إفريقيا
هكذا، تكون حكومة جنوب إفريقيا قد تجاهلت عن قصد من خلال هذا التصرف الآلاف من سكان الصحراء الأصليين، والمتشبثين بقوة بوطنهم المغرب الذي يتمتعون داخله منذ عدة عقود بكامل حقوقهم، وذلك على كافة المستويات.
كما أن هذا القرار يتناقض مع الجهود التي تبذلها حاليا منظمة الأمم المتحدة من أجل إيجاد تسوية عادلة وواقعية ومقبولة من كافة الأطراف المعنية بهذا النزاع المصطنع في منطقة شمال إفريقيا.
وحسب بيان الخارجية المغربية، فإن مقترحا لاجتماعات حول النزاع الصحراوي، كان مقررا أن تحتضنها بريتوريا يوم 6 سبتمبر الجاري، إلا أنه تعذر على السيد ألفارو دي سوتو، ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، المشاركة فيه لأنه كان يقوم بجولة في المنطقة بعد أن وسّـع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان مجال مهمته من أجل تسهيل البحث عن تسوية سياسية تحظى بقبول جميع الأطراف.
ويأتي الألم الذي سبّـبه قرار بريتوريا للرباط أيضا مما قد يُـنتجه هذا القرار من تداعيات على صعيد الدعم الذي تسعى الجزائر لتأمينه لجبهة البوليزاريو، خاصة من طرف الدول الإفريقية الناطقة باللغة الإنجليزية.
فإضافة إلى المكانة التي تحتلها بلد نلسن مانديلا على الصعيد العالمي والإفريقي، فإنها تتمتع بنفوذ واسع في دول إفريقيا الناطقة بالإنجليزية، في الوقت الذي لا تربط الرباط بهذه الدول علاقات تعاون في أي ميدان، حيث اقتصرت علاقات الرباط خلال العقود الماضية على دول إفريقيا الناطقة باللغة الفرنسية.
محمود معروف – الرباط
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.