مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

حرب غزة تحدث شرخًا داخل الحزب الإشتراكي السويسري

جامعة
كارلو سوماروغا، عضو مجلس الشيوخ السويسري، يتحدث إلى طالبة، خلال احتلال الطلبة المؤيدين.ات للفلسطين لجزء من مبنى جيوبوليس في جامعة لوزان، يوم الأربعاء 8 مايو 2024، لوزان. Keystone / Jean-Christophe Bott

دفع موقف أحد زعماء الحزب الاشتراكي السويسري من حرب غزة سويسريين وسويسريات مقيمين.ات في إسرائيل إلى الانسحاب من الحزب. وقد تعمّق الشرخ أيضا بسبب نزاع طال أمده وسط السويسريّين.ات المقيمين.ات في الخارج.

كارلو سوماروغا وإريك بلوخ: عضوا الحزب الاشتراكيّ الديموقراطيّ ، ومجلس السويسريّين.ات في الخارج، ملمّان جيداً بشؤون الشرق الأوسط . يتّفقان كثيرا في أمور عدّة ويختلفان في أمر واحد.

علاقتهما المهتزّة لا تخفى على أحد ، ولكنّهما استطاعا التأقلم .فكانا يتبادلان التحيّة تارة ، والمزاح أخرى إلى أن ظهر النزاع الفلسطينيّ الإسرائيليّ . فكانت قضيّة فلسطين نقطة الاختلاف بينهما .

وقع الانفصال الآن ، وأصبح يمزّق الحزب الاشتراكيّ السويسريّ من الداخل، ويمتدّ إلى مجلس السويسرييّن.ات في الخارج .

السويسريون بالخارج
ظلّ إريك بلوخ عضوًا في مجلس السويسريين في الخارج لسنوات عديدة.

صراعات داخل مجلس السويسريين في الخارج

إريك بلوخ ،عضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي. هو مواطن سويسريّ-إسرائيليّ مزدوج الجنسيّة يعيش في إسرائيل ، طوال عقود ، كان شغوفا بالالتزام بقضايا الحزب الاشتراكيّ السويسريّ التزامَه بقضيّة إسرائيل.

كارلو سوماروغا، هو أيضا عضو في الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ ، محام من جنيف يمثّل كانتونا في مجلس الشيوخ على مر عقود، كان شغوفا بالالتزام بالدفاع عن قضيّة الفلسطينيين.ات.

يتواجه بلوخ وسوماروغا في كثير من الأحيان داخل مجلس السويسريّين.ات في الخارج، برلمان المهاجرين.ات. سوماروغا هو عضو في المجلس التنفيذي، وبلوخ مثّل إسرائيل طيلةَ 18 عامًا، إلى غاية 2023.

يعقد المجلس جلساته في سويسرا مرّتين في السنة . وغالبًا ما كان بلوخ يقدّم مبادراتٍ تتعلّق بإسرائيل أو بكيفيّة تعامل سويسرا مع اليهود نساء ورجالا.

سوماروغا: “لست معاديًا للساميّة”

يدعو كلّ من الرجلين إلى حلّ الدولتين . و كاد التقارب يحصل بينهما في السابق ، لولا اختلافهما حول مكان اللّقاء عندما اتّصل سوماروغا ، من إسرائيل ، ببلوخ الذي كان يريد أن يتعرّف على البلد، وأصرّ على أن تكون القدسُ الشرقيّة، الجزء الذي يطالب به الفلسطينيون نساء ورجالا ، مكانا للّقاء ، لكن هذا اللقاء لم يتمّ حتى بعد أن اقترح كارلو سوماروغا مطار تل أبيب كمكان بديل للاجتماع.** .

يريد كارلو سوماروغا توضيح شيء واحد: أنه ليس معاديًا للساميّة. يقول: “أنا أشارك في مكافحة معاداة الساميّة”، وذلك امتداداً لتقاليد عائليّة ، مضيفا :”والدتي وأجدادي.اتي جلبوا.ن اليهود نساء ورجالا من إيطاليا إلى سويسرا، ساعدوهم.هنّ على الهرب من النازيين”.

في مايو 2024، تشهد الجامعات السويسريّة احتجاجاتٍ مؤيدةً لفلسطين. استعادت هذه الحركة التي تعتبر بيئة كارلو سوماروغا قوّتها . الآن ، يعترف سوماروغا علانيّة بموقفه المعادي لإسرائيل. في حملة انتخاب مقعد بمجلس الشيوخ ، وكان قد أخفى هذا الموقف، وتجاهل كلّ الأسئلة حول أي اتصالات محتمَلة له مع حماس في سيرته الذاتيّة.

كانت إعادة انتخاب سوماروغا ضمن مجلس الشيوخ مسألة وقتٍ لا أكثرَ. كان عليه الدخول في جولة انتخابيّة ثانية، وذلك بعد شهر واحد فقط من هجوم حماس على إسرائيل في أكتوبر 2023. في ذلك الوقت، كانت أيّة صلة بحماس ستُضِرُّ به كثيرا . تحدّث في مقابلة بعد انتخابه حول الروابطِ المحتمَلة، غيرِ المقصودة، مع حماس، وتحدث أيضًا عن دعمه للحوار مع حماس، معتبرًا إيّاها “جهة فاعلة لا يمكن تجاهلُها”.

كان سوماروغا عضوًا دائما في الحركة الدولية التي تدعو إلى مقاطعة إسرائيل(BDS) . هذه المنظّمة مثيرة للجدل ، صنّفتها ألمانيا كحركة معاديّة للساميّة وتراقبها باعتبارها “حركة متطرّفة”.

في المقابل، صدر قرارٌ من المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان عام 2020، صنّف أنشطة (BDS) في خانة حريّة التعبير، ولم يعتبرها أعمال كراهية أو عنف . بالإضافة إلى ذلك ، سوماروغا هو رئيس مجموعة الصداقة البرلمانيّة السويسريّة الفلسطينيّة.

“تجاوز عتبة تحمّل الألم”

في 8 مايو 2024، زار عضوُ مجلس الشيوخ كارلو سوماروغا مخيَّم احتجاجٍ في جامعة لوزان. وقدّم نفسه خلاله قائلا :”بصفتي برلمانيًّا، بصفتي كارلو سوماروغا”. ويعني بذلك أنه لا يتحدّث بصفته ممثِّلًا للحزب الاشتراكيّ بالدرجة الأولى.

يطالب الطلاّب.ات هناك بأن تُنهي جامعةُ لوزان تعاونها مع الجامعات الإسرائيلية ،أي يطالبون.ن ب”مقاطعة إسرائيل”، وكارلو سوماروغا يدعم هذا المطلب علنًا.

يقول إريك بلوخ :”بهذا، تجاوز كارلو سوماروغا قدرتي على تحمّل الألم “. كما يؤكّد أنه لا يدعم الحرب الحاليّة التي تشنها إسرائيل في غزة.، قائلا :”إنها تضر بسمعة الشعب الإسرائيليّ فحسب”.

ينتقد حكومة نتنياهو الإسرائيليّة بشدّة . وحسب رأيه ، لاعلاقة للجامعات في إسرائيل بالحرب الإسرائيليّة.  

الانسحاب كـ “إشارة واضحة وجديّة”

يقول السويسري-الإسرائيلي إنّ الجامعات في حيفا وتلّ أبيب تستمدّ تمويلها جزئيّا من فاعلي.ات الخير من السويسريّين.ات وإنّ العديد من السويسريّين.ات يدرسون.ن في معهد وايزمان في رحوفوت. فحسب  قوله :”سويسرا تستفيد من نتائج الأبحاث الإسرائيليّة أكثر ممّا تستفيد إسرائيل منها “.

بخيبة أمل كبيرة في زميله في الحزب  سوماروغا ، قرر بلوخ اتخاذ “إشارة واضحة وجادّة ” تتمثّل في انسحاب الفرع الإسرائيليّ للحزب الاشتراكيّ من الحزب الاشتراكيّ السويسريّ – ما يعني حلّ الفرع الذي أسّسه بلوخ بنفسه.

حلُّ فرع من الحزب في الخارج كاحتجاج على الحزب ، هو أمر لم يسبق له مثيل في تاريخ الحزب الاشتراكيّ السويسريّ الذي علّق في ردّه على أحد الاستفسارات قائلا : “نحن نأسف بشدّة لذلك”.

يقدّر بلوخ عدد أعضاء وعضوات الفرع الإسرائيليّ للحزب الاشتراكيّ بـ حوالي 80 شخصًا من النساء والرجال ، وهذا ليس بالكثير. بل يشكّك كارلو سوماروغا حتى في هذا العدد ، فيقول :”لم يقدّم بلوخ أبدًا قائمةَ الأعضاءِ.ات للمقرّ الرئيسيّ للحزب”**.

إريك بلوخ، من جهة أخرى ، يردّ قائلاً: “لقد قدّمنا مساهمتنا في الانتخابات البرلمانيّة لعام 2023 وضممنا العديد من الأصوات من إسرائيل ” . ولم يقدّر سوماروغا هذا الأمر أبدًا، بل استمرّ في إهانته وتشويه سمعته وسمعة زملائه وزميلاته.

من المتوقع أن يُثار نقاش حول موقف سوماروغا قريبًا في مجلس السويسريين.ات في الخارج ، وتحرير عريضة من قِبل السويسريين و السويسريّات المقيمين.ات في إسرائيل، لإلزام عضو المجلس كارلو سوماروغا بالحياد *.

“أحداث مأساوية”

سوماروغا نفسه لا يرغب في التعليق على انسحاب الفرع الإسرائيليّ للحزب الاشتراكي ، ويوضّح تضامنه مع الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل في جامعتَيْ جنيف ولوزان قائلاً لـ سويس إنفو (SWI swissinfo.ch ) : “لم تبدأ القصّة في الشرق الأوسط في 7 أكتوبر 2023. كانت تلك الأحداث مأساوية،  بل هي عمل إرهابي غير مقبول . لكنّ تاريخ معاناة الشعب الفلسطيني يبدأ من قبل عام 1948 ويستمر إلى اليوم مع النكبة المستمرة”.

مصطلح “النكبة” يُشير إلى طرد الفلسطينيين والفلسطينيات أو تهجيرهم من منطقة الدولة الإسرائيليّة الجديدة.

يضيف سوماروغا قائلاً: “إن توعية الشباب لمواجهة معاناة الشعب الفلسطينيّ أمر رائع”. ويشير إلى الجامعات الإسبانيّة التي دعت شركاءها في إسرائيل إلى التحرك. وبالإضافة إلى ذلك “كانت العلوم سياسة ولازالت أيضًا”. ويقول إن الجامعات الإسرائيليّة التي لم تتخذ موقفًا رغم انتهاكات القانون الدولي إنّما تمارس السياسة بصمتها.

“فقدان البوصلة”

البروفيسور الجامعي دانييل جوزيتش ، زميل سوماروغا في الحزب داخل مجلس الشيوخ ، يرى الأمر بشكل مختلف. ويقول لسويس إنفو :” قد فقد الزملاء.ات في الحزب ، البوصلة في الصراع الإسرائيلي الفلسطينيّ ، وأصبحوا.ن يميلون.ن كثيرًا إلى التطرّف”. وفي صحيفة “Le Temps”، يقول جوزيتش بخصوص حماس : “نميل في الحزب الاشتراكيّ ، منذ وقت طويل إلى دعم المجموعات الشبيهة، حتى وإن كنّا محايدين.ات رسميًا “.

شعار
شعار فلسطين من النهر إلى البحر، معلق بإحدى بنايات جامعة جنيف. Keystone / Martial Trezzini

إضافة إلى ذلك، يصنّف جوسيتش كما سوماروغا ، الاحتجاجات في جامعة جنيف، قضيةً جنائيةً. وباعتباره أستاذا في القانون الجنائيّ، يرى في اللاّفتات التي تحمل شعار “من النهر إلى البحر” جريمة تمييز عنصريّ ، حيث تدعو هذه الشعارات إلى محو إسرائيل.

دعم فلسطين أم دعم إسرائيل؟

في الواقع، إن تضامن اليسار الأوروبيّ مع فلسطين له تقليد طويل ، إذ كان العديد من أعضاء.ات الحزب الاشتراكي الديمقراطي متحمسين.ات للدولة الإسرائيليّة والكيانات التعاونيّة هناك مثل الكيبوتس المنظم تنظيماً تعاونيًا لفترة من الزمن . لكن ذلك تغير بعد عام 1967، بعد حرب الأيّام الستّة.

بسبب الضربات الجويّة التي شنّتها إسرائيل على مصر ، وإقامة تحالف مع الولايات المتحدة، بدأ اليسار نساء ورجالا يعتبرون.ن إسرائيل متحالفة مع الإمبريالية الأمريكية. فتحوّل العديد من أعضاء الحزب الاشتراكي الديمقراطي وعضواته إلى دعم الحركات الفلسطينية، التي أُعتُبرت ضحيّة.

وبذلك، نشأ تيّاران داخل الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ بخصوص الشرق الأوسط ، كانا قادرين على التعايش لفترة طويلة : تيّار متحمّس لإسرائيل بسبب حركة الكيبوتس التي يتبعها إريك بلوخ من جهة ، و وتيّار التضامن مع فلسطين المعادي للصهيونيّة، الذي يلتزم به كارلو سوماروغا من جهة أخرى .

الحزب نفسه ، وضع حدودًا للتيّار المعادي للصهيونيّة خلال عام 2019 ، بإصدار قرار ضدّ معاداة الساميّة. وفي نهاية فبراير 2024، تبنّى قرارًا آخر بشأن حرب غزة ، يوثّق السعي إلى التوازن ، ويدين  أعمالَ العنف الإسرائيليّة والفلسطينيّة على حدّ سواء.

لكن وَقعُ أحداث 7 أكتوبر 2023 كان أقوى من كلّ النوايا الحسنة ، فتعمّقت الهوة في أوائل يونيو، وأصبحت قيادة الحزب الاشتراكيّ الديمقراطيّ تبحث عن الحوار مع إريك بلوخ.

تم تحديث النص في 3 يونيو 2024.

*لم يتم إدراج عريضة السويسريين المقيمين في إسرائيل على جدول أعمال اجتماع المجلس التنفيذي لمجلس السويسريين في الخارج المقبل في يوليو، خلال 1 يونيو.

الأجزاء المكتوبة بخط مائل تم إضافتها بناءً على رغبة كارلو سوماروغا في 3 يونيو.

تحرير: بنيامين فون فيل

ترجمة: ماجدة بوعزّة

التدقيق اللغوي: لمياء الوادي

الأكثر قراءة
السويسريون في الخارج

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية