مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

“جيل بأكمله قد يدفع ثمن التشريد والتجنيد والحرمان من التعليم”

عائلة سورية لاجئة في الأردن في انتظار الأب المفقود المفوضية السامية لشؤون اللاجئين

قرع كل من المفوض السامي لشؤون اللاجئين، والممثلة الخاصة للأمين العام المكلفة بالأطفال في الصراعات المسلحة، جرس الإنذار بالنسبة لوضع الأطفال السوريين، وحذرا من خطر "التضحية بجيل كامل بسبب هذه الحرب". وبالإضافة الى معاناة الأطفال في هذا الصراع، شددت ممثلة الأمين العام السيدة ليلى زروقي في حديث خصّت به swissinfo.ch من نيويورك على "ضرورة وقف تجنيد الأطفال السوريين، ومراعاة الأولويات الإنسانية قبل أي حوار في جنيف 2".

قد تكون المجموعة الدولية غير مُدركة بما فيه الكفاية لحقيقة الوضع الإنساني الذي يعاني منه الشعب السوري بمختلف مكوناته من جراء هذه الحرب التي تدور رحاها للعام الثالث على التوالي بحصيلة مأساوية زاد فيها عدد القتلى عن 125 ألف شخص، وعدد اللاجئين عن أربعة ملايين نسمة وعدد النازحين الداخليين عن خمسة ملايين. ومن هذا المنطلق، اعتبر البعض أن التقرير الصادر يوم 29 نوفمبر 2013 عن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين بخصوص الأطفال السوريين اللاجئين “خطوة جريئة” تسهم في كشف النقاب عن مأساة إنسانية مُرعبة يرغب البعض لعدة أسباب في طمس معالمها والتعتيم على تفاصيلها.

في الحوار التالي الذي خصّت به swissinfo.ch، تضم السيدة ليلى زروقي، الممثلة الخاصة للأمين العام المكلفة بالأطفال في النزاعات المسلحة صوتها إلى السيد أنطونيو غوتيريس، المفوض السامي للاجئين من أجل جلب الإنتباه إلى أوضاع جيل كامل من الأطفال السوريين والتحذير من مخاطر تجاهلها.

swissinfo.ch: أوضح تقرير المفوضية السامية عمق المعاناة الإنسانية في الصراع السوري وحجم معاناة الأطفال بالخصوص. وبما أنك زرت سوريا عدة مرات كممثلة للأمين العام مكلفة بملف الأطفال في الصراعات المسلحة، ما هو التقييم الذي توصلتم إليه من جهتكم؟

ليلى زروقي: زرت سوريا في شهر ديسمبر 2012، وفي يوليو 2013 زرت سوريا والدول المجاورة. وما ورد في تقرير المفوضية السامية لشؤون اللاجئين يؤكد ويرسخ ما شاهدته  بأم عيني وما شاهده آخرون. إذ لا يمكن تصور مدى معاناة الأطفال في مخيمات اللاجئين في الدول المجاورة أو في الملاجئ داخل سوريا. إذ عندما تدخل الى مخيم من المخيمات ستجد حوالي 70% من النساء والأطفال، وحتى الرجال الموجودين أما عاجزون أو شيوخ، لأن مصيبة سوريا تكمُن في أن رب البيت إما في السجن أو مريض أو محارب إلى جانب النظام أو المعارضة.

ومصيبة أطفال سوريا أنهم – بالإضافة إلى فقدان البيت والأهل، وبالإضافة إلى التشريد داخل سوريا أو خارجها، فإنهم أصيبوا إما جسديا أو نفسيا، لأنهم يُعانون أكثر من التجنيد ومن الإستخدام في هذه الحرب. والأسوأ من هذا وذاك هو أن مستقبل هذا الجيل غير مضمون بسبب انعدام الدراسة أو عدم توفرها بالشكل المطلوب. وأؤكد أن ما ورد في هذا التقرير عاينتُه لما زرت المخيمات في لبنان وفي الأردن. ولا يجب أن ننسى أيضا وجود سوريين يُعانون ومهجّرين في العراق وتركيا ومصر وفي بلدان المغرب العربي.

swissinfo.ch: يتحدث التقرير عن ضياع جيل كامل، هل يعني ذلك أن هذه الأزمة (أو الآثار المترتبة عنها) محكوم عليها أن تطول؟

ليلى زروقي: هذه هي السنة الثالثة التي لا يذهب فيها أطفال سوريا إلى المدارس بشكل طبيعي، ومن يذهب فهو يُعاني من الكثير من النقائص. وقد قلت في التقرير الذي نشرتُه عند عودتي من زيارة سوريا بأن ما أثّـر فيّ أكثر، هو أن هذا الجيل سيُعاني من الجهل، لأنك عندما تتحدث مع الأهل والأمهات في المخيمات تسمع أن لا مستقبل لأبنائنا في ظروف التهجير والحرمان من المدرسة. وهذا هو الجيل الذي يشكل حوالي 52% من المُهجّرين داخل وخارج سوريا ويشكل الأغلبية في تركيبة المجتمع السوري. وأثناء زيارتي لسوريا، علمت من وزير التعليم السوري بأن هناك حوالي 4000 مدرسة دُمّرت وأصبحت غير قادرة على استقبال التلاميذ.

Keystone

swissinfo.ch: إذا كان هذ التقرير يتحدث عن وضع مأساوي بالنسبة لمن استطاع اللجوء إلى دول مجاورة، وهو يحصل من المجموعة الدولية على بعض الحماية وشيء من المساعدة، فكيف هو الوضع في الداخل السوري الذي يعرف استمرار القتال، وحيث يتعذر وصول المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تقع تحت سيطرة المعارضة؟

ليلى زروقي: ارتفاع أعداد اللاجئين هو في حد ذاته مؤشر على قساوة الأوضاع في المناطق التي تدور فيها المعارك. نصف المجتمع السوري أي حوالي 9 ملايين شخص يوجدون مُهجّرين إما داخل أو خارج سوريا. فالسوريّون يعانون من القصف والتدمير، وأيضا من تسلط المجموعات المسلحة. وهناك من تنقل من مكان لجوء إلى مكان لجوء آخر عدة مرات. ويمكن القول بأن الحكومة تقوم ببذل مجهود لإقامة مراكز لجوء لاستيعاب المهجرين إما داخل الملاجئ أو المدارس.  

ويجب أن لا ننسى معاناة حوالي 500 ألف فلسطيني كانوا ينعمون في سوريا بحقوق معترف بها كلاجئين. ومن هذا المنطلق يمكن القول أن كل المدنيين يعانون في سوريا اليوم سواء كانوا سوريين أو عراقيين أو فلسطينيين. لذلك ننادي بالتسريع بحل سلمي عبر الحوار، لأن ما يُعاني منه الشعب السوري لا يُطاق. إذ يجب أن ندرك أنه – بالإضافة إلى ويلات القصف والحرب – تحول مجرد شراء الخبز وحليب الأطفال إلى مشكلة.

swissinfo.ch: هل نفهم من ذلك أن المجموعة الدولية ليست على علم أو دراية بما فيه الكفاية بعمق هذه الأزمة الإنسانية القائمة في سوريا؟

ليلى زروقي: أعتقد ان الجميع يعلم أن الحرب في سوريا من أسوإ الحروب التي تدور حاليا لأن أسلحة فتاكة تُستعمل فيها، وأنها حرب تدور داخل مناطق سكانية، وحرب تدور بين جيش نظامي ومجموعات مسلحة متعددة وغير منسقة، وأن من يدفع الثمن هم المدنيون. ولا أعتقد بأن الناس تجهل ذلك، لكن المشكل يكمن في أنه على قدر ما تتعقد الأزمة على قدر ما يصعب حلها من الخارج. لذلك يجب على السوريين أن يتفهموا، وهذا ما قلته أثناء زيارتي لسوريا للحكومة وللمعارضة في نفس الوقت، بأنه لن يكون هناك فائز في سوريا، لأن الإنسان لا يفوز على نفسه، وأن الدمار هو النهاية. لذلك يجب أن يُقدّم كل طرف تنازلات، لكي يجلس إلى طاولة المفاوضات، ويتم الوصول إلى حل سلمي. لقد دُمّرت سوريا بالكامل تقريبا. هناك أحياء قصفت بالكامل، وهناك صور عبر الإنترنت للدمار الذي لحق بالمدن والأحياء سواء بسبب قصف النظام أو قصف الجماعات المسلحة. ولا حل بدون اتفاق الأطراف السورية، ونحن نعلم أن هناك أطرافا بإمكانها أن تمارس ضغوطا على هذا الطرف أو ذاك، لذلك نناشدها القيام بذلك.   

محتويات خارجية

swissinfo.ch: فيما يتعلق بالموضوع الذي هو ضمن ولايتك أي الأطفال في النزاعات المسلحة، ما هي حصيلة ما توصلت إليه من إحصائيات بخصوص عمليات تجنيد الأطفال في هذا الصراع؟

ليلى زروقي: ما توصلنا إليه من خلال ما حصلنا عليه من معلومات هو أنه لا يوجد تجنيد للأطفال من قبل الجيش النظامي، وما يجب أن يكون واضحا هو أن من يُجنّد الأطفال هي الجماعات المسلحة. وكما تعلمون كان الجيش الحر السوري قد وُضع على قائمة الأمين العام الخاصة بتجنيد الأطفال. وقد حاولنا أن نوعي وأن نؤثر من خلال الإتصال بالجماعات المسلحة التي يتسنى لنا الوصول إليها وعن طريق الجيش الحر لمطالبتها بوضع حد لتجنيد الأطفال، لكن لا زال التجنيد مستمرا لحد الآن. والدليل على ذلك هم الأطفال الذين تحدثنا معهم لما زرنا سوريا.

هناك تقرير نحن بصدد إعداده حول تجنيد الأطفال سيقدم إلى مجلس الأمن الدولي في نهاية هذه السنة. ومن غير السهل تحديد أرقام في هذا المجال لكن ما هو مؤكد هو أن تجنيد الأطفال من قبل الجماعات المسلحة أمر واضح، إذ يتم تشغيلهم في الوظائف القتالية أو في المساعدة وحمل العتاد وغير ذلك من الأعمال. وكل الفئات التي اتصلنا بها لا تنكر ذلك.

swissinfo.ch: ذكرت أن الحل يجب أن يكون بين السوريين أنفسهم، وهناك محاولات لتنظيم مؤتمر جنيف 2. كممثلة خاصة للأمين العام للأمم المتحدة، هل ستحددون بعض الشروط أو الأولويات بالنسبة لمن سيأتون للتفاوض في جنيف بخصوص وضع الأطفال؟

ليلى زروقي: أثناء زيارتي لسوريا أو أثناء زيارة الوفد السوري لنيويورك للمشاركة في الجمعية العامة، التقيت بممثلي الحكومة والمعارضة وقلت إنه يجب وضع آليات للحد من الإنتهاكات التي تمس الأطفال. وتحدثت مع ممثلي الحكومة حول سن قانون لمعاقبة عملية التجنيد، والإفراج عن الأطفال القابعين في السجون فقط بسبب انتمائهم أو اتهامهم بالإنتماء إلى الجماعات المسلحة. وقد تعهدت الحكومة السورية بالتكفل به، لكننا لم نر لحد الآن أي نتائج.

وفي الوقت الذي يرفض فيه كل طرف وضع شروط مُسبقة قبل جنيف 2، نود عقد اجتماع نطرح فيه كل هذه الأولويات سواء تعلق الأمر بالتخلي عن تجنيد الأطفال، والإفراج عن الأطفال المعتقلين، وتحسين وصول المساعدات الانسانية غلى المناطق المُحاصرة، وتحسين ظروف تعليم الأطفال اللاجئين في دول الجوار (لبنان، تركيا، الأردن، العراق).

يوم 29 نوفمبر 2013، نشرت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف تقريرا بعنوان “مستقبل سوريا – أزمة الأطفال السوريين اللاجئين”، من أهم ما جاء فيه:

فاق عدد الأطفال السوريين اللاجئين في دول الجوار 1،1 مليون طفل، ويُعاني الأطفال السوريون اللاجئون في كل من لبنان والأردن من تأثيرات نفسية عامة، ويعيش العديد منهم فريدا أو منفصلا عن أهله، كما أن الغالبية منهم محرومة من التعليم ويزاولون أعمالا غير مشروعة.

بلغة الأرقام، أفاد التقرير أن الحرب التي دخلت في شهرها الـ 32، خلفت  أكثر من 70 الف عائلة تعيش بدون رب عائلة، وأن 3700 طفل سوري لاجئ يعيش وحيدا أو منفصلا عن أهله. وبالنسبة للتعليم، اتضح أن نصف الأطفال السوريين اللاجئين في الاردن لا يذهبون للمدارس، وحوالي 200 الف من الأطفال اللاجئين في الأردن.

من المشاكل التي يُعاني منها اللاجئون السوريون ، عدم حصول غالبية الأطفال الذين يُولدون في بلدان اللجوء على شهادات ميلاد أو وثائق هوية. وأظهرت الدراسة أن 77% من بين الـ 781 طفل سوري الذين ولدوا في لبنان لم يحصلوا على شهادات ميلاد رسمية، وأن مخيم الزعتري  بالأردن لم تُسلم فيه ما بين شهري يناير واكتوبر 2013 سوى 68 شهادة ميلاد.

في الإستجوابات التي تم القيام بها، عبّر العديد من الأطفال اللاجئين عن الرغبة للعودة الى سوريا للقتال، وحصل المحققون على العديد من الشهادات عن تدريب الأطفال من أجل القتال بغرض إعادتهم إلى سوريا من جديد.

أشار المحققون الى أن العديد من الأطفال يقومون بأعمال من أجل إعالة أهلهم بعضهم لم يتجاوز السابعة من العمر. وقد سجل المحققون العديد من الشهادات لأطفال مثل تلك التي أدلت بها الطفلة نادية والتي قالت “إن حياتنا حُطمت، حُرمنا من التعليم، وبدون تعليم لا يمكن تحقيق أي شيء”.

(المصدر: المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين)      

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية