السوق الإيرانية الواعدة تجتذب الفاعلين الإقتصاديين في سويسرا
منذ صدور إشارات إيجابية بشأن المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن الملف النووي الإيراني، تقف الدولة الغنية بالنفط والغاز الطبيعي مجددا في دائرة اهتمام الدول الصناعية الغربية، فيما تسعى سويسرا لأن تكون مُستعدّة للمرحلة المقبلة.
“منذ نحو ستة أشهر والوفود الأوروبية تتحرك ذهاباً وإيابا بين أوروبا وإيران”، على حد قول سهيل العبيد، خبير شؤون الشرق الأوسط في “المؤسسة العالمية السويسرية”Switzerland Global Enterprise (S-GE) ، الذي يرى أن اهتمام الاقتصاد السويسري بالسوق الإيرانية قد استيقظ ثانية منذ بداية هذا العام. وفي أعقاب مفاوضات جنيف التي جرت في نوفمبر 2013 بين إيران من جهة ومجموعة 5+1، التي تضم الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (بريطانيا والصين وفرنسا وروسيا والولايات المتحدة) بالإضافة إلى ألمانيا من جهة أخرى، قام الاتحاد الأوروبي وسويسرا في يناير 2014 بتخفيف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، انطلاقا من بنود الاتفاق الانتقالي الموَقَّع والتي تلزم المجتمع الدولي بتخفيف العقوبات الاقتصادية على الجمهورية الإسلامية، مقابل التزام الأخيرة بتعليق جُزء من نشاطاتها النووية، حيث تم تخفيف القيود على التجارة في البتروكيماويات والمعادن النفيسة والتأمين على شحنات النفط.
“بشكل عام، تتواجد العديد من الوفود الأجنبية بشكل متزامن في طهران”، وِفقاً للسيد العبيد. إنهم يريدون أن يكونوا على أهْبة الاستعداد “للانطلاق فيما لو تَم رَفع العقوبات”. وتبرز في المقدمة أسئلة مثل: “ما هو نوع الطلب الموجود على المُنتج أو الخدمة الخاصة بي؟ حيث يشكل العثور على الشركاء وتجّار الجملة والعملاء المحليين وإجراء المحادثات التجارية معهم، أمراً في غاية الأهمية بالنسبة للشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم.
إثارة التطلعات
يعتمد رفع العقوبات المفروضة على إيران، على نجاح المفاوضات الهادِفة للتوصّل إلى اتفاق حول ضوابط برنامجها النووي. وكانت إيران ومجموعة 5 +1 قد بدأت مفاوضاتها النووية يوم 17 يونيو الجاري في العاصمة النمساوية فيينا، والتي يُفترض أن تنتهي بالتوصل إلى اتفاق نهائي بحلول 20 يوليو القادم.
المزيد
رحلات البرلمانيين الخاصة تستوجب التزاما بـ “مزيد من الأخلاقيات”
وكما يقول فيليب فيلتي، رئيس “الغرفة التجارية السويسرية – الإيرانية”، التي تأسست منذ بضعة أشهر فقط، كَشَفَ الاتفاق المؤقت في جنيف الذي وقّعت عليه إيران ودول 5+1 في نوفمبر 2013 في جوهره – باختصار فضفاض بعض الشيء – عن مواصلة التفاوض في شهر يونيو 2014. ولا يُعرَف عن السفير السويسري السابق في إيران إطلاعه الواسع على الأوضاع في الجمهورية الإسلامية فحسب، ولكنه يتوفر كذلك على شبكة جيدة من العلاقات مع قطاع الاقتصاد السويسري. وبذلك، “تعمل الغرفة التجارية على تهيئة البيئة المناسبة لتعزيز الاتصال المُباشر بين الاقتصاد السويسري والعملاء الإيرانيين”، كما يقول.
ووفقا لفيلتي، أثارت الإشارات التي خرجت عن المفاوضات، تطلّعات كبيرة “بإمكانية حدوث تغييرات في وقت قريب”. وبالنسبة للاقتصاد السويسري، يعود السبب في أهمية إيران إلى احتياطاتها الضّخمة من الغاز الطبيعي والنفط من ناحية، وإلى احتياجاتها المُتراكِمة للمُنتجات التقنية المتطوِّرة لتشغيل بُنيَتها التحتية من الناحية الأخرى. “يتمثل العامل الحاسم في تحسين استغلال ومُعالجة البترول والغاز الطبيعي. ما تفتقر إليه إيران هي التكنولوجيا – كَمّاً وَنوعاً – لتحقيق الاستغلال الأمثل لثرواتها الضخمة”.
ممثلون عن حزب الشعب السويسري في طهران
في شهر أبريل الماضي، شَهِد عدد من البرلمانيين والنواب السابقين المُنتمين إلى حزب الشعب السويسريرابط خارجي (يمين شعبوي) على أرض الواقع، الأسلوب الغريب لاستغلال وسائل الإعلام الإيرانية لاهتمام المُمثلين الاقتصاديين الغربيين. ووفق تصريحاتهم الخاصة، سافر البرلمانيون الستة في مهمة خاصة إلى طهران، للتعرّف هناك عن مدى تمسّك الاقتصاد الأمريكي بالعقوبات الاقتصادية، وما إذا كانت سويسرا بالأخص مَن يُعاني من الإقصاء الإقتصادي الإيراني.
وفي إطار المناقشات التي جرت هناك، انتقد النائب لوتسي شتام، العقوبات المفروضة على إيران والتي تشارك سويسرا في تطبيقها بشكل رسمي أيضاً. كما شملت حفاوة “الدولة الثيوقراطية الأوحد” النائب اليميني المتشدّد أولريخ شلوير، الذي يعتبر العقل المُدَبِّر لمُبادرة حظر المآذن في سويسرا.
والتقطت وسائل الإعلام الإيرانية صوراً للساسة السويسريين أثناء مصافحتهم لعلاء الدين بروجردي، رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني. وجاءت تصريحات وسائل الإعلام المرافقة للصور المنشورة، بشكل يدعو إلى الإعتقاد بأن الأمر يتعلق بزيارة رسمية من ممثلين عن البرلمان السويسري. وقد أثار هذا الأمر سجالاً في الكنفدرالية حول فوائد ومخاطر الرحلات الخاصة لأعضاء البرلمان. (راجع مقال: “رحلات البرلمانيين الخاصة تستوجب التزاماً بـ “مزيد من الأخلاقيات”).
ريادة عالمية لشركات سويسرية
وفي هذا السياق، يرى فيلتي أن بإمكان الاقتصاد السويسري أن يتوقع فُرصاً جيدة للانخراط الناجح في هذه السوق المُربحة. فبالنسبة لما يُسمّى بالتَخَصّصُات والمُنتجات المُتخصصة [لمجموعة مُحددة من العملاء]، تنتمي الكنفدراليةرابط خارجي إلى المُصنّعين الأكثر كفاءة في العالم. “مع أن صناعة السيارات في إيران ليست تنافسية على مستوى العالم، لكنها ما زالت ضخمة جداً. وفيما يخص صناعة إمدادات السيارات، تتوفر سويسرا على شركات صغيرة قد تكون مجهولة من عامة الناس، ولكنها تُهيمن على السوق العالمية بالنسبة لبعض مكوّنات صناعة السيارات بنسبة 90%”، كما يقول.
وتُعتَبَر الإمكانات التي توفرها إيران، ذات أهمية كبيرة لمثل هذه الشركات العالية التخصّص. “لدينا على سبيل المثال، ضواغط المكابس التي تنتجها شركة Burkhardt Compression في فينترتور، المُستخدمة في إيران، والتي أصبح لها اليوم موقع الريادة في السوق العالمية”، وِفقاً للسفير السابق.
وفيما يخص مسألة موثوقية الشركاء التجاريين في دولة تحتل المرتبة 144 في مؤشر الفساد من بين 177 دولة شملها التقرير الصادر عن منظمة الشفافية العالمية يقول فيلتي: “عندما يكون اقتصاد البلاد بحاجة إلى شيء مهم، فإن الحكومة الإيرانية مستعدّة للتعامل مع نماذج العقود التي تجعل منها شريكاً يُمكن الإعتماد عليه، كما في مسألة الدفوعات المُسبقة مثلاً”.
ولكن الاقتصاد لا يعمل وفقا لسيادة القانون الغربي. “عند حدوث دعوى قضائية مع طرف إيراني مَدين، لا يمكن أن نتوقّع من القضاء المُعاملة على قدم المساواة”.
كيف تُسَدَّد النفقات؟
من الناحية النظرية، لم يكن توريد الكثير من المُنتجات إلى إيران مستحيلاً أبداً. ولكن العديد من الشركات قامت بإلغاء علاقاتها التجارية مع الجمهورية الإسلامية طواعِية بشكلٍ أو آخر، بغية عدم إفساد العلاقات مع الولايات المتحدة. “بالإضافة إلى ذلك، ينبغي أن تَمتَثِل هذه الشركات لسلسلة مُعقّدة من الأوامر، بسبب العقوبات الدولية المفروضة”، كما يقول فيليب فيلتي. “ولكن المشكلة الأكبر ما زالت تتمثل بطرُق السّداد والإيفاء بالالتزامات المالية”.
ففي شهر مارس 2012، استُبعَدت إيران من نظام جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك “سويفت”، المسؤولة عن إدارة التعاملات المصرفية الدولية، مما جعل تدفّق الأموال بشكل قانوني من إيرانرابط خارجي وإليها عبْر القنوات الرسمية مُستحيلاً. كما أن البدائل مُعقّدة ومُكلفة. وكما يقول فيلتي :”لدى الولايات المتحدة سيطرة كبيرة على كلّ دولار تقريباً يتِم تحريكه حول العالم”.
وتكشف تحفّظات المؤسسة السويسرية لضمان مخاطِر الصادرات SERV (وهي هيئة قانونية عامة تختصّ بضمان وتمويل معاملات التصدير الخاصة بالشركات السويسرية إلى الدول الغير مستقرة، سياسياً أو اجتماعياً) عن الصعوبات التي ما زالت تواجه ممارسة الأعمال التجارية مع “الدولة الثيوقراطية”. وفي معرض ردّها على الأسئلة ذات الصلة التي توجهت بها swissinfo.ch، أوضحت كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية (سيكو)، بأن مؤسسة ضمان مخاطر الصادرات، مُستعدّة حالياً للنظر في طلبات التغطية لإيران، شرط اقتراح الطرف المُصَدِّر طريقةً سداد مقبولة من جانب المؤسسة”. وكما جاء في الرد: “على الرغم من تخفيف العقوبات من جانب الحكومة الفدرالية، لم تستطع المؤسسة السويسرية لضمان مخاطر الصادرات أن تتعامل مع أي طلب للتغطية، بسبب عدم تثبيت طريقة الدفع حتى الآن”.
وعلى الرغم من الاهتمام الكبير، لا يمكن الاستدلال (حتى الآن) على أي تقدّم ملموس في التجارة بين سويسرا وإيران. وبالمُقارنة مع العام المنصرم، ارتفعت الصادرات السويسرية إلى إيران في الأشهر الأربعة الأولى من عام 2014 بنسبة 12.8%، لتصل إلى 99.3 مليون فرنك، كما ارتفعت الواردات بنسبة 11.2% لتبلغ 12.8 مليون فرنك. ولكن (سيكو) ترى أن هذه الفترة القصيرة للمراقبة، تجعل من غير المُمكن تقييم ما إذا كان ذلك نتيجة التعليق الانتقائي للعقوبات أو بسبب تقلبات طبيعية محدودة.
الحذر مع وسائل الإعلام الإيرانية
في الأثناء، لا يَخفى الشعور بالفرح داخل “الدولة الثيوقراطية”، والناجم عن تجدّد إهتمام الغرب باقتصاد الجمهورية الإسلامية. وبدورها، لا تُفَوّت وسائل الإعلام الإيرانية فرصة للإعلان عن ذلك، دون أي تحفظ. ولكن المصادر التي تستقي منها معلوماتها تبقى لغْزاً في بعض الأحيان. وانعكس ذلك مؤخراً في عنوانِ تقرير لهيئة الإذاعة الإيرانية في برنامجها الناطق بالألمانية، الذي يصف نفسه بـ “صوت جمهورية إيران الإسلامية” جاء فيه:
“أعلن مُصنِّع الدراجات الكهربائية السويسرية Biketec عن استعداده للاستثمار في إيران”. كما أعلنت الوسيلة الإعلامية أن مجلس إدارة شركة Biketec السويسرية المختصّة في صناعة الدراجات الكهربائية، أبدى استعداده في اجتماع مع السلطات الإيرانية، لبناء مصانع لإنتاج وتجميع دراجات من نوع Kross في جزيرة كيش الإيرانية. وعند سؤالها، أعلنت شركة Biketec عن جهلها للمصدر الذي يستنِد عليه هذا الزّعم، نافية وجود أية نيّة للتوسع في إيران.
أرقام متضاربة
يرى شكيب محمد غو، المواطن الإيراني الذي نشأ في ألمانيا، والذي يدير خدمة معلومات على شبكة الإنترنت تحمل اسم Swiss-Persian.ch، أن حجم التداول التجاري بين سويسرا وإيران يفوق كثيراً الأرقام المُعلنة عن كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية (سيكو) – والمتمثلة بـ 1,7 مليار يورو. وهو يستشهد في معلوماته على أرقام تعود للجمارك الإيرانية.
ووفقا للسيد غو، تحظى الأسواق الإيرانية باهتمام شركات سويسرية، مثل نستلي ونوفارتس وروش وABB والمصارف السويسرية الكبرى “يو بي أس” UBS و”كريدي سويس”Credit Suisse. وقد قامت هذه المؤسسات رسمياً على الأقل بِتقييد عملياتها مع إيران، التي تتمتّع فيها بسمعة جيدة، بالإضافة على توفرها على شبكة اتصالات جيدة للغاية.
وحسب غو، تم التعامل مع جزء من الصفقات التجارية لدول الاتحاد الأوروبي، (والتي أصبحت مقَيَّدة بسبب العقوبات التي فرضها على إيران)، من خلال سويسرا غير المُنتمية إلى هذا الاتحاد. وكما يقول: “تتصرف سويسرا بشكل واقعي عندما يتعلق الأمر بمنتجات غير مُرتبطة بالبرنامج النووي مباشرة أو بتلك المتعلَّقة باستهلال عمليات جديدة في مجال الغاز الطبيعي أو النفط الخام”.
ولم ترغب كتابة الدولة للشؤون الاقتصادية من جانبها بالتعليق على هذه المزاعم.
عقد توريد الغاز
في عام 2008، وقّعت سويسرا مع إيران بحضور وزيرة الخارجية السابقة ميشلين كالمي – رَي، عقداً لتوريد الغاز الطبيعي. وفي حينها، أطلق هذا العقد جدلاً ساخناً في الكنفدرالية لعدّة أسباب، ليس آخرها ارتداء عضوة الحكومة السويسريةرابط خارجي وشاحاً على رأسها أثناء هذه الزيارة. غير أنّ العمل بهذا العقد عُلَّـق بعد ذلك بوقت قصير في ضوء العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران.
وحتى الوقت الراهن، لم تعلن وزارة الشؤون الخارجية EDA أو شركة “أكسبو” للتجارة AXPO Trading AG (المختصة بتوليد واستخدام وبيع وشراء وتبادل وتجارة الطاقة الكهربائية وغيرها وتوفير جميع أنواع الخدمات في مجالات الطاقة والبيئة)، التي وقّعت على العقد المُبرَم في حينها تحت اسم “أي جي أل” EGLعن أي محاولة لإستئناف العقد من الجانب السويسري. وجاء عن الشركة فقط: “لا يسمح الوضع الجيو-سياسي الحالي بأي إمدادات للغاز الطبيعي من إيران”. مُضيفة أنها تراهن على توريد الغاز الطبيعي من أذربيجان في إطار خط أنابيب عبر البحر الأدرياتيكي”.
من جهتها، إضطرت شركة “أو أم في” OMV (أكبر مؤسسة صناعية في النمسا تختص في استكشاف وإنتاج النفط والغاز وتوزيع الغاز الطبيعي وتوليد الطاقة وتكرير وتسويق المنتجات النفطية) هي الأخرى إلى وقف عقد توريد الغاز مع إيران. ووفقاً لتقارير وسائل الإعلام، شهدت الأيام الأخيرة عدّة اجتماعات بين مسؤولين عن الشركة وممثلين عن وزارة النفط الإيرانية
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.