فلور ريفاليه .. المرأة الغاوية القادمة من ضواحي بحيرة ليمان
اشتهرت كنجمة للباليه الروسي في الولايات المتحدة في عام 1916، وكانت الصحافة الصفراء تعير اهتماما كبيرا لأظافر أصابعها وتسريحات شعرها، وحتى تشارلي شابلن احتفى بها من خلال تعليق صورتها الشخصية على حائط منزله. أما في سويسرا، حيث ولدت وماتت، فقد تم تجاهلها وتناسيها. فمن هي فلور ريفاليه؟
في الخمسينيات من القرن الماضي، استأجرت إميلي فلورا سيرف تريكلر Emilie FloraCerf-Treichler استوديو في جنيف، اعتبرته “جنّتها” الخاصة بها. وفيه، عرضت ماضيها على الحائط: تمساح محشو رافقها خلال رحلتها عبر الولايات المتحدة، وسيوف من شمال إفريقيا، ومفروشات من مصر، وجلود ثعابين، وكل ذلك بجوار نوتات موسيقية وعشرات الصور تخلد أدائها في مراحل مختلفة من مسيرتها. وبين هذه وتلك، اثنان من طيور الكناري في قفص. هنا، في “باراديسو”، رافقت عزفها الخاص على البيانو، وغنت أوبرا ماضيها وحلمت بأيامها المجيدة عندما كانت لا تزال تجوب العالم باسم فلور ريفاليه.
كان اسمها قد نُسي بالفعل في سويسرا في ذلك الوقت، واليوم أصبح من الصعب أكثر الظفر بمعلومات عنها. كان كاتب سيرتها الذاتية الوحيد هو ابنها، الممثل غاي تريغان، الذي خطّ بضع الصفحات بشأنها ضمن مدوّنة سيرته الشخصية. الحنان يخترق بعض العار عندما يخبر كيف استمرت في إخبار الجميع: “لن تستطيعوا معرفة ما كنت عليه في الماضي!”. حسنًا، فمن تكون فلور ريفاليه مرة أخرى؟
من فلور إميلي تريكلر إلى فلور ريفاليه
ولدت فلور ريفاليه إميلي في 25 يناير 1889 في مدينة رول Rolle، وهي بلدة صغيرة على ضفاف بحيرة ليمان في كانتون فو الناطق بالفرنسية. ولا يُعرف الكثير عن طفولتها- وقالت خلال مقابلة لها في الولايات المتحدة مع برنامج ” “Motion Picture Classic، إنها عندما كانت طفلة، كانت تغنّي باستمرار.
وعند بلوغها السادسة عشر، التحقت بمعهد الموسيقي في باريس لتلقي تدريب على الغناء – رغم معارضة والدتها. وحينها لم يكن لوالدها أي تأثير على القرارات التي كانت تتخذها. فقد رحل غوستاف تريكلر إلى إمبراطورية الحبشة في عام 1903 لبناء خط حديدي عبر البلاد بطلب من الملك مينليك الثاني. في رسائله إلى أسرته، يصف إفريقيا التي تسلل فيها الضباع إلى المنازل والبواء الذي قد يصل طوله إلى عشرة أمتار. لم يعد إلى أوروبا حتى عام 1914، وتوفي في مرسيليا عقب اصابته بالحمى.
تُدعى ابنته الآن فلور ريفاليه، وتغني في المسرح الكبير بجنيف. لكن سرعان ما أصبحت ذات شهرة عالمية، تتجاوز في مداها الشهرة التي بلغها والدها. بعد أن غنت “التايلندية” على خشبة المسرح في عام 1915، ومن أمام مدرجات مسرح جنيف شدّت أنظار ليون باكست مصمم المسرح والأزياء في فرقة الباليه الروسيه الشهيرة، التي كانت تجوب العالم برفقة إمبريساريو سيرجي بافلوفيتش دياجيليف.
“اشترى دياجيليف فلور من العقد الذي أبرمته مع المسرح الكبير في جنيف ليأخذها في جولة خارج حدود سويسرا. وفي يناير 1916، انطلقوا في رحلة إلى الولايات المتحدة، حيث كانت نيويورك محطتهم الأولى، تلتها جولة مطوّلة عبر الساحل الغربي.
إباحية قاتلة
في الولايات المتحدة الأمريكية، الاحتفاء بإميلي فلورا تريكلر القادمة من رول المحاذية لبحيرة ليمان كان بالأساس لما كانت تتمتع به من جمال غير مألوف: “جمال داكن” و “نكهة ساحرة”. من خلال عمليْ “شهرزاد” ولاحقًا “كليوبترا”، حيث تتقمّص فيهما دور البطولة، تشبع فرقة الباليه الروسية نهم الجمهور الغربي للتمثلات القادمة من الشرق. ولم يعد للباليه الروسي أي علاقة بالملابس القصيرة والفساتين البيضاء، وهنا ترقص النساء حافية الأقدام في فساتين ملونة وتعبّر عن فنتازيا الشرق الخيالي كما أرادها ليون باكست – أسلوب تحوّل إلى اتجاه شائع بين صفوف نجوم الولايات المتحدة حوالي عام 1920.
تروي مسرحية “شهرزاد” حكايات شيخ يختبر ولاء حريمه- وزبيدة في هذه القطعة عشقت نيجينسكي، الذي كان يؤدي دور عبدٍ في المسرحية، بمجرد ما أدار ظهره لها، وعندها تبدأ طقوس العربدة والخلاعة. وكان الباليه الروسي أيضا حقل اختبار لشخصية المرأة الغاوية في هوليود، امرأة ذات إثارة جنسية قاتلة، يتقاطر عليها الرجال.
ستظهر صورة فلور ريفاليه عقب ذلك بقليل في مجلتيْ “فانيتي فير”، و”فوغ” الخاصتيْن بالمشاهير، وأشادت الصحف في جميع أنحاء البلاد بالصورة التي ظهرت عليها. ثم أصبحت معروفة بشكل أكبر بفضل ما قام به إدوارد بيرنايز، مخترع الحملات الدعائية والذي كان شعاره: قصة جيدة تبيع كل منتج.
في حالة فلور ريفاليه، تقول القصة إنها قامت بترويض ثعبان بفضل جمالها وبمساعدته أتقنت رقصها مثل كليوباترا. وأخبرت ريفاليه مجلة بيلبورد أنها أرادت أن تجعل رقصها مثل كليوباترا “أكثر خطورة، بل وأكثر إغواءً وقسوة من أي وقت مضى، من خلال دراسة الحركات الزاحفة الباردة للثعبان”. وقد انتشرت صور لريفاليه وهي تلاعب ثعبان في حديقة برونكس للحيوانات في جميع أنحاء البلاد وحوّلتها إلى نجمة بين عشية وضحاها – وقامت باستعراضات مع ثعابين مرارا وتكرارا في السنوات التالية ، ثم لاحقًا مع تمساح صغير منحها إياه أحد المعجبين.
اشتهرت ريفاليه بأسلوبها الاستعراضي وأناقة مظهرها، ونشرت الصحف الصفراء واسعة الانتشار تقارير صحفية عن المعاطف التي ترتديها في أوقات فراغها وعن لغة أظافرها.
التحوّل إلى شبح
بعد عروضها لبعض الأزياء من منتجات برودواي (في نيويورك)، والتي لقيت استحسانا لدى الصحافة، قامت بدور الزوجة المخادعة في فيلميْن أمريكيْين صامتيْن: في الفيلم الأوّل “Earthbound” ، يقوم المنافس بقتل زوجها، وعندما يتحوّل إلى شبح ويتحدث إلى ريفاليه من العالم الآخر في نوع من العلاج للعلاقة الزوجية. وأما فيلها الثاني، والذي هو أيضا آخر أفلامها في الولايات المتحدة- فيأتي بعد أن أصبحت هي نفسها شبحا بمعنى ما، وباتت حياتها المهنية عصية على الفهم.
وفي مذكراته، قدم ابن أخيها تلميحات موجزة بأن ريفاليه غنت خلال حفل تكريمي لموسوليني وأيّدت الفاشية الإيطالية، ولكن من الواضح أنه لم يرد الخوض في مزيد من التفاصيل. واستمرت ريفاليه في التجوّل عبر العالم، بما في ذلك تقديمها لعرض كليوباترا في القاهرة. وعادت إلى سويسرا في عام 1936، حيث أصبح نشاطها محدودا، وكان عليها الاعتناء بشقيقها الذي كان يعاني من اختلال عقلي. وبعد وفاته، اعتنت بابنه. وكانت حينها لا تزال تقدم من حين لآخر عروضا في باريس.
بعد الحرب العالمية الثانية، تزوجت روفاليه من رجل أعمال في جنيف، مصنعه كان على شفير الإفلاس. وفي عام 1958، توفي زوجها، بينما كانت هي في وضع مالي سيء للغاية. ومن أجل ملء الفراغ الذي بدأ يلف حياتها، بدأت في ممارسة الرسم، وبحثا عن معنى لوجودها، تعرفت إلى معتقدات طائفة المورمون وجماعة الصليب الوردي المسيحيتيْن. وبحلول عام 1966، توفيت هذه الأخيرة في عيادة بالقرب من ليزين بكانتون فو- ونقش على قبرها اسمها الأصلي فلور سيرف تريكلر.
(ترجمه من الفرنسية وعالجه: عبد الحفيظ العبدلي)
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.