مُستجدّات ورُؤى سويسريّة بعشر لغات

مسرح سويسري ينتشي مع فيليب غلاس والفيزياء

Scene from Einestein on the Beach
Carole Parodi

يبدأ المسرح الكبير لمدينة جنيف موسمَه 2020/2019 بنسخة جديدة وجريئة من أوبرا ‘آينشتاين على الشاطئ’، هذا الانجاز البارز للمؤلف الموسيقي الأمريكي فيليب غلاس، ومُخرج المسرح التجريبي روبرت ويلسون، الذي تحدّى المُخْرِجين على مدى أكثر من أربعين عاماً. 

لا تخشى شركة فينتسي باسكارابط خارجي (Compagnia Finzi Pasca) الفنية من لوغانو في سويسرا الناطقة بالإيطالية الأحداث الكبيرة. فبالإضافة إلى اشتراكها في ثلاثة مراسم أولمبية وعشرات التنسيقات وعروض الأوبرا، تقدم الشركة التي تأسست في عام 2011 اليوم تجربة موسيقية وبَصَرية لِمَنْ يمتلك الاستعداد الكافي لتَمضية أربع ساعات من النشوة المشابهة للتنويم المغناطيسي. 

لا تتوفر أوبرا “آينشتاين على الشاطئ” على أي خطة أو استراتيجية مسبقة. أما حكايتها، فعبارة عن دلالات فضفاضة مُرتبطة بالفيزياء النووية والرياضيات والموسيقى، وأي شيء آخر قد يستشعره المشاهد. وكما قال المخرج والكاتب المسرحي الأمريكي روبرت ويلسون نفسه “لست مُجبراً على فهم أي شيء؛ فأنت تذهب إلى هناك لتضيع”. 

من جانبها، قامت swissinfo.ch بمتابعة التدريبات على هذه الأوبرا لمدة يوم كامل – ليلاً ونهاراً – قبل أسبوع من الافتتاح في يوم 11 سبتمبر الجاري. وقد امتدت البروفة كثيراً إلى ما بعد وقت إغلاق المسرح الكبير في جنيفرابط خارجي، الذي يضم أكبر خشبة مسرح في سويسرا. بدوره، كان المؤلف والمخرج دانييلي فينتسي باسكارابط خارجي يجتهد لتحقيق التناسق بين الممثلين، والمؤدين، والأوركسترا، والعازفين المنفردين، وجوقة الغناء والفريق الفني.

Performers on stage, choir with Einstein wigs in the alcove
كان المشاركون في أوركسترا وكورال أوبرا ‘آينشتاين على الشاطيء‘ وجميعهم طلّاب من المعهد العالي للموسيقى في جنيف (HEM)، يتمرنون على تعقيدات موسيقى فيليب غلاس منذ أكثر من عام. Eduardo Simantob

 بعد اعداد الفريق الفني لدعائم المسرح وخلفيته، يأخد فينتسي باسكا قسطاً من الراحة. وكما يوضح، تَكمُنْ الدينامية الرئيسية لـ ‘أينشتاين’ بالنسبة له في تكوين صوَرٍ تثير تفكير المشاهدين وتفاعلهم القوي. وهو يقول بأن الأوبرا تتعلَّق بالعملية الإبداعية المتولدة من عمله مع فريقه الأساسي من المتعاونين. 

“عندما نبدأ، تكون لدينا دائماً هذه اللحظة من العَصف الذهني عندما نقوم بالبحث عن الموضوعات التي نود التطرق إليها، ونعمل على رَبط الأفكار لبناء الصور”، كما يقول. 

بعد مشاهدة التسجيل المُصَوَّر الوحيد لمونتاج روبرت ويلسون، يخرج المرءُ بانطباع أن فينتس باسكا إنما خلق عرضاً مختلفاً تماماً عن العمل الأصلي لـ ويلسون. 

لكن فينتس باسكا لا يتفق تماماً مع هذا الرأي. “نَصُ العمل سالم ومُتكامل، كذلك هو المفهوم الأساسي للعرض، لكن كل مُخرج سيحاول اكتشاف وجهات نظرٍ وعناصر أخرى مُخبأة داخل العمل، وإخراجها إلى حيز الوجود حسب رؤيته”. 

روايات أشبه بالأحلام

على الرغم من الإنتاج الأصلي لـ روبرت ويلسون، إلا أن التنسيق الموسيقي لـ فيليب غلاس هو الذي يتردد ذكره كمصدرِ للإلهام، ليس للمخرجين فحسب ولكن للفنانين أيضاً. 

وبالنسبة لقائد الفرقة الموسيقيةَ تيتوس أينغيل، هناك أيضاً مسألة الحُرّية التي تمنحها هذه القطعة الموسيقية للموسيقيين، الذين يُمكنهم ضَبْط وتيرتهم الخاصة وفقاً لإيقاع الفنانين على المسرح. وهذه الحُرية تمتد إلى الجمهور أيضاً، الذي يتمتع بحرية الدخول إلى المسرح والخروج منه كيفما يشاء.

المزيد

تمثل أوبرا ‘آينشتاين على الشاطيء‘ إنجازاً مهماً لمؤلفها أيضاً، الذي كان يعمل حتى عرضها الأول كسباك وسائق سيارة أجرة لِسَد احتياجاته الأساسية، والحفاظ على حرية فنِّه واستقلاليته. 

لم يشاهد ‘آينشتاين على الشاطئ’ والعَمَلَيْن اللاحقين ‘ساتياغراها’ (Satyagraha) الذي يستند إلى حياة المهاتما غاندي، و‘أخناتون’ (Akhnaten)، حول الفرعون الذي حاول توحيد آلهة مصر القديمة لأول مرة – وهي الأعمال الأوبرالية الثلاثة لـغلاس – سوى قِلّة متميزة. وقد سبقت شهرة هذه الأعمال أي جمهور مُهم حقيقي حتى قيام السينما بتوسيع نطاق نغمات غلاس التي تمثل علامته التجارية. 

ومع تأليفه للموسيقى التصويرية للفيلم التجريبي ‘كويانسكاتسي’ (Koyaanisqatsi) في عام 1982، والفلم الوثائقي ‘بوفاكاتسي’ (Powaqqatsi) في عام 1988، غادر غلاس المجموعة الطليعية لحركة “التقليلية” الفنية (أو Minimalism باللغة الانجليزية) – وهو مصطلح كان غلاس يكرهه – في نيويورك، ووجد صدى فوري تقريباً مع جمهور أوسع. 

كان ذلك أيضاً هو الوقت الذي اكتشف فيه فينتسي باسكا موسيقى غلاس، “ومنذ ذلك الحين تابَعْتُ جميع أعماله” ، كما يقول. 

هذا التأثير يتضح في عمليات مونتاج سابقة لـ فينتسي باسكا، كانت بدايتها مع فرقة مسرح سونيل، التي تأسست في لوغانو في عام 1983. ومنذ إنشائها، كانت فرقة سونيل قد وضعت مفهوماً كان له الأثر الكبير في توجيه العمل في شركة فينتسي باسكا إلى يومنا هذا: مزيج من المسرح، والرقص، الألعاب البهلوانية، والكوميديا والسيرك، حيث يُصاغ مزيج الضوء والموسيقى بعناية فائقة لتكوين روايات أشبه ما تكون بالأحلام. 

تُعرَف شركة فينتسي باسكا أيضاً تحت اسم “سيرك دو سولي”رابط خارجي السويسري (Swiss Cirque du Soleile) حيث قَدَّمَت لهذا السيرك عَرضين أيضاً. 

Rehearsals
يحتشد أكثر من 60 فنانًا من 18 جنسية في قاعة المسرح الكبير بجنيف، حيث خشبة المسرح الأكبر في سويسرا. Eduardo Simantob

فرقة متعددة الجنسيات

على الرغم من جذور الشركة الراسخة في لوغانو، إلا أنها كانت تتمتع بهوية دولية دائماً. وهي تشارك في العرض الحالي لأوبرا ‘آينشتاين على الشاطئ’، بِحصان واحد وأكثر من 60 فناناً، بينهم موسيقيين وكورال من 18 جنسية. 

النص الكلامي للأوبرا الذي ألفه الشاعر والرسام الأمريكي كريستوفر نولز هو باللغة الإنجليزية. أما وراء الكواليس فأمر مختلف تماماً؛ حيث يجد المرءُ نفسه غارقاً في خليط من الفرنسية، والإيطالية، والإسبانية والبرتغالية. 

لكن لغة ‘أينشتاين على الشاطئ’ هي جماليات بحتة. ويشهد الإنتاج الجديد للأوبرا على كلمات الناقد تيم بيغ في عام 1992، حين كتب: “من خلال مِثالها المُتطرف الخاص، مهدت أوبرا ‘آينشتاين’ الطريق – بل ومَنَحت الإذن – لمعظم ما حدث في المسرح الموسيقي منذ عرضها الأول”.

 وبعد مرور ثلاثة وأربعين عاماً على كَسْر جميع قواعد الأوبرا واختراع سياقها وشكلها ولغتها الخاصة، لا يزال بإمكان أوبرا ‘أينشتاين’ أن تثير حيرة جمهور تعود بالفعل على الاختراعات التي وضعتها.

Rehearsal of Einstein on the Beach
بالنسبة لـ فينتسي باسكا، يشكل الضوء والصوت أكثر من مُجَرَّد دعائم جمالية، فهما يضعان الإيقاع للفنانين لخلق مشاهد أشبه بالأحلام يُعَبَّر عنها من خلال مهارات بهلوانية. Eduardo Simantob

التطرف ليس نسبياً

لم تعد الأوبرا الحديثة هي نفسها بعد ‘آينشتاين على الشاطئ’. ولم تُعاد محاكاة الأوبرا التي عُرِضَت لأول مرة في عام 1976 في أفينيون (فرنسا)، والتي تستغرق أكثر من 280 دقيقة دون توقف، إلّا لمرات قليلة للغاية منذ ذلك الوقت. وقد كان ذلك في الأعوام 1984، و1992، و2012. وفي عام 2014، نقل التلفزيون الفرنسي عرضاً للأوبرا بنسخته الأخيرة، وهو أول تسجيل مُصَوَّر للعمل.

كانت هناك ثلاث محاولات أخرى لتقديم عرضٍ حُر لـ ‘أينشتاين على الشاطيء’. ففي عام 1989، قدَّم مخرج الأوبرا الألماني أخيم فراير نسخته في أوبرا شتوتغارت الحكومية، إلّا أنها باءَت بالفشل، حيث رأى النقاد أنها كانت “تجريدية للغاية”. وفي عام 2001، أعيد إطلاق العمل كـ “إنشاء أوبرالي” في برلين، كان يجمع بين الأوبرا والأعمال المُرَكَّبة (أو الانشاءات) لِفَنانين مُختلفين، حيث كان بوسع الجمهور أن يتجول حول طاقم العمل والمسرح خلال العرض – وهو تطور للمفهوم الأصلي، حيث تكون للجمهور حرية المغادرة والدخول إلى المسرح كما يشاء.

وفي عام 2017 ، قام مخرج  الأوبرا الألماني كاي فوغيس، بعرض نسخته الخاصة – وهي الأولى دون أي مشاركة من غلاس أو ويلسون – في دار أوبرا دورتموند. وهذه المرّة كان هناك ثناءٌ كبير من قبل النقاد.

قراءة معمّقة

الأكثر مناقشة

متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة

المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"

يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!

إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية

SWI swissinfo.ch - إحدى الوحدات التابعة لهيئة الاذاعة والتلفزيون السويسرية