بهاء طاهر.. روائي مصري بنُكهة سويسرية
"لستُ ممّن يعتقدون أن الجوائز تُعطي قيمةً كبيرة لفائز، إلا إذا كانت أعمالُه تعطيه هذه القيمة".. بهذه العبارة ختم الروائي الكبير بهاء طاهر كلمته من فوق خشبة المسرح الصغير بدار الأوبرا المصرية مساء الأربعاء 18 مارس الماضي، عقب تسلمه جائزة ملتقى القاهرة الدولي للرواية العربية، في دورته السادسة، والذي انطلق يوم الأحد 15 مارس بمشاركة 200 روائيا، بينهم عرب وأجانب.
و”طاهر”، مؤلف روائي وقاص ومترجم مصريّ، ينتمي لجيل “أدباء” الستينيات، ولد بمحافظة الجيزة في 13 يناير 1935 وحصل على ليسانس الآداب في التاريخ عام 1956 من جامعة القاهرة، كما حصل على دبلوم الدراسات العليا في الإعلام شعبة إذاعة وتلفزيون سنة 1973. عمل مترجما في الهيئة العامة للاستعلامات بين عامي 1956 و1957. كما عمل مُخرجا للدراما ومذيعا في إذاعة “البرنامج الثاني” (الثقافي)، الذي كان من مؤسسيه حتى عام 1975.
أصدر أول مجموعاته القِصصية عام 1972، تحت عنوان: “الخطوبة”، بعدها توالت أعماله بين مجموعة قصصية مثل: “بالأمس حلمت بك”، “أنا الملك جئت”، “ذهبت إلى شلال”، و”لم أكن أعرف أن الطواويس تطير”. وروايات مثل: “شرق النخيل”، “قالت ضحى”، “خالتي صفية والدير”، “الحب في المنفى”، “نقطة النور”، و”واحة الغروب”.
مُنِعَ من الكتابة في عهد السادات
ونظرا لمواقفه المناهضة لحظر الحريات السياسية، مُنِعَ من الكتابة عام 1975 في عهد الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، مما اضطره لمغادرة البلاد؛ حيث سافر إلى إفريقيا وآسيا للعمل كمترجم، واستقر به المقام في سويسرا، حيث عاش في جنيف بين عامي 1981 و1995، حيث عمل مترجما في المقر الأوروبي للأمم المتحدة.
في عام 1995، وبمناسة بلوغه سن التقاعد وقراره بالعودة إلى مصر، بعد 15 عاماً عمل خلالها مترجما في المقر الأوروبي للأمم المتحدة بجنيف، أنتج التلفزيون السويسري فيلما وثائقيا طويلاً عنه، بلغت مدّته 45 دقيقة، احتفاءً بالأدب العربي، الذي يلقى ترحيباً في الأوساط الثقافية الغربية منذ فوز الأديب المصري نجيب محفوظ بجائزة نوبل في الأدب عام 1988، وتقديراً لإنجاز “طاهر الأدبي في القصة والرواية والمقالة”. أشرف على إعداد الفيلم، الروائي المصري جميل عطية إبراهيم، الذي ينتمي إلى جيل بهاء طاهر، وهو مقيم أيضا في سويسرا.
سويسرا تحتفي به بفيلم روائي
تناول الفيلم سيرة حياة صاحب رواية “قالت ضحى”، بين عمله كمترجم وحياته الإبداعية، وتضمّن حواراً طويلاً مع الكاتب عن الإبداع في الغربة والعلاقة بين الثقافتين العربية والغربية في إبداعه، ومدى انعكاس حياته في جنيف على تجربته الروائية، والتي ظهرت في روايته المهمة “قالت ضحى” و”خالتي صفية والدير” و”الحب في المنفى”، والتي رأى فيها النقّاد ملامح من السيرة الذاتية لصاحبها، إضافة إلى مجموعته القصصيّة “بالأمس حلمت بك”، كونها على مستوى المضمون، تدور حول تجربة الغُربة والعلاقة بين الشرق والغرب.
وفي يوليو 2009، احتفلت به الجالية المصرية والعربية بسويسرا في “مقهى المصريين” الذي يُطل على شارع لوزان، وسط مدينة جنيف، لفوزه بجائزة مبارك لذلك العام. واستقبلته أسْرة مسلسل “سنوات الحب والملح” – الذي يُخرجه محمد فاضل في مدينة جنيف عن ثورة 1952- فور قدومه إلى جنيف في رحلته الصيفية المعتادة. ودارت مناقشات مثمرة حول أوضاع السينما والدراما التليفزيونية في مصر. وخلال الحفل، أعرب فاضل عن رغبته في تحويل رائعة بهاء طاهر “الحب في المنفى”، والتي تدور أحداثها في مدينة جنيف وتؤرخ لمذبحة صبرا وشاتيلا، إلى مسلسل تليفزيوني، وهو ما رحّب به “طاهر”.
أبرز أعماله: [الخطوبة (مجموعة قصصية) عام 1972]. [بالأمس حلمت بك (مجموعة قصصية) عام 1984]. [أنا الملك جئت (مجموعة قصصية)]. [شرق النخيل (رواية) عام 1985]. [قالت ضحى (رواية) عام 1985]. [ذهبت إلى شلال (مجموعة قصصية)]. [خالتي صفية والدير (رواية تم تحويلها لمسلسل تليفزيوني)]. [الحب في المنفى (رواية) عام 1995]. بالإضافة إلى 10 مسرحيات مصرية – عرض ونقد. و[أبناء رفاعة – الثقافة والحرية]. [ساحر الصحراء – ترجمة لرواية السيميائي للكاتب باولو كويلهو]. [نقطة النور- رواية]. [واحة الغروب – رواية]. و[لم أكن أعرف أن الطواويس تطير (مجموعة قصصية)].
حصل على العديد من الجوائز؛ منها: جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1998. وجائزة جوزيبي اكيربي الإيطالية عام 2000، عن روايته “خالتي صفية والدير”. وجائزة آلزياتور Alziator الإيطالية لعام 2008 عن روايته “الحب في المنفي”. والجائزة العالمية للرواية العربية “البوكر”، عن روايته “واحة الغروب” عام 2008.
بعد ثورة يناير أعاد “جائزة مبارك”
وفي 3 فبراير 2011 (قبل تنحّي مبارك بثمانية أيام)، أعلن “طاهر” أنه لا يستطيع أن يحمل جائزة باسم الرئيس محمد حسنى مبارك (“جائزة مبارك للآداب”، التي حصل عليها عام 2009)، بعدما أراق نظامه دماء الشباب المصريين الشرفاء، معتبرا أن قرار ردّها راحة لضميره، وأضاف: “أعتقد أن لكل إنسان القدرة على التعبير والتضامن مع شباب مصر الشرفاء ممّن استشهدوا وجرحوا، حتى ولو كان بشيء رمزي وبسيط جدا، مثلما فعلت، نظرا لدماء هؤلاء الشباب الشرفاء”.
في ديسمبر 2013، لم ينس “طاهر” مسقط رأسه الأقصر؛ فقرر أن يتيح لأبناء عاصمة مصر القديمة الفرصة للإطلاع على أحدث ما يبدعه العقل الإنساني، حيث تبرّع بقطعة أرض يمتلكها عن أهله بالأقصر إلى الدولة، من أجل إقامة قصر ثقافي، خدمة لقضايا الثقافة والمثقفين في الأقصر، والذي افتتحه وزير الثقافة الأسبق الدكتور صابر عرب، ومحافظ الأقصر اللواء طارق سعد الدين، وأطلقوا عليه “قصر ثقافة بهاء طاهر”.
في السفر خمسُ فوائد!!
في البداية؛ سألته: لماذا خرجت من مصر وكيف عدت إليها؟ فأجاب قائلاً: “أنا خرجت من مصر بعدما مُنِعْتُ من الكتابة عام 1975 في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، مما اضطرني لمغادرة البلاد، باعتباري شخصا غير مرغوب فيه من النظام الحاكم وقتها، وعندما قررت العودة إلى مصر في عام 1995، لم يكن هذا بطلب أو إيعاز من السلطة، وإنما بطلب من قرائي، خاصة بعدما بلغت سن التقاعد وأنهيت عملي كمترجم في المقر الأوروبي للأمم المتحدة في جنيف، والذي استمر 15 عاماً”.
وعن تجربته مع السفر والإقامة في سويسرا؛ قال “طاهر” في تصريحات خاصة لـ swissinfo.ch: “لا شك أن كل سفر أو اتصال بالخارج، وكل رحلة للخارج عموما، تمثل فوائد كثيرة للإنسان؛ بغض النظر عن المكان الذي سافر إليه. فمعروف أن للسفر فوائد كثيرة، أشار إليها الشافعي في قوله: “وسافر ففي الأسفار خمس فوائد: تفريج همٍّ واكتساب معيشة وعلم وآداب وصحبة ماجد”.
20 عاما بالخارج ثُلُثاها في جنيف
وأضاف: “بالنسبة لي فقد أقمت خارج مصر أكثر من 20 عاما، قضيت منها 15 عاما بجنيف في سويسرا، وقد كانت تجربة مفيدة جدًا لي ككاتب وأديب، لأن إقامتي في العالم الغربي، وتحديدا في سويسرا، لم تكن كسائح أو رحلة عابرة، وإنما كإنسان مقيم، عايشت هذا المجتمع، حتى صرتُ جزءًا منه، ومن ثم استطعت أن أكتب عنه بدرجة عالية من الأمانة والموضوعية”.
وتابع طاهر قائلاً: “وقد لاحظ المتابعون، أن الكتابات التي كتبتها عن الغرب، لم يكن فيها هذا الانسحاق أو الانبهار بالتجربة الغربية، وأيضا لم يكن فيها أي نوع من الاستعلاء على التجربة الغربية، وإنما تجربة إنسان عاش حياة عادية في مجتمع رأى من خلاله ما له وما عليه، وعبر عن ذلك بصدق وأمانة في كتاباته”.
زواجي من سويسرية ناجح جدا
وعن تجربته في الزواج من سيدة سويسرية؛ قال “طاهر”: أنا متزوج من سيدة سويسرية، وزواجي منها ناجح جدًا، بكل المقاييس والحمد لله، وربما يرجع هذا إلى أنني عرفتها جيدا قبل الزواج، وبالطبع ازدادت معرفتي بها بعد الزواج، فتفاهمنا جيدًا”؛ مستدركا بأنه “ليست هناك قاعدة عامة يمكن القياس عليها، سلبا أو إيجابا، فيما يخص زواج الشباب العربي أو المصري المهاجر من أجنبيات، فكل حالة لها ظروفها الخاصة”.
وردا على سؤال عن تقييمه للعلاقات العربية السويسرية؟ أوضح “طاهر” أنها “علاقات إيجابية جدًا، وينبغي أن تظل كذلك، وتزداد اتصالاً، لأن سويسرا دولة محايدة، لا تأخذ جانبا مع طرف على حساب الطرف الآخر، وموقفها قريب جدا من كل الأطراف، وهذه هي فكرة الحياد السويسري في العلاقات الدولية، بحيث تكون وسيلة تقريب لا إبعاد للدول والشعوب الأخرى”.
وفي الختام سألته: إلى أي مدى أنت راضٍ عن مستوى العلاقات المصرية السويسرية؟ أجاب: “على المستوى الثقافي، تولي سويسرا اهتماما كبيرا بالعلاقة مع مصر؛ ولديهم بالقاهرة هيئة متخصصة في هذا، هي المؤسسة الثقافية السويسرية “بروهلفيتسيا”، وهي تهتم بالتبادل الثقافي ودعم الأنشطة الثقافية المشتركة، لكنني لا أدري ما إذا كانت هناك هيئة مصرية أو عربية متخصصة مثل بروهلفيتسيا، تقوم بهذا الدور أم لا؟”.
المزيد
محفوظ.. رائد الواقعية بالأدب العربي
“لا أفهم معنى للموت، لكن ما دام محتماً فلنفعل شيئاً يبرر حياتنا، فلنترك بصمة على هذه الأرض قبل أن نغادرها”. “يمكن أن تحكم الناس بالخوف والقمع، لكن الخائفين لا يمكن أن ينتصروا في حرب، في ساحة الحرب يجب أن يكونوا أحراراً”. “الحقيقة بسيطة لا تحتاج الى زخرفة الكلمات”… [واحة الغروب]. “وماذا كانت ستفعل بنفسها في ليالي الوحدة والخوف، لو لم تكن الكتب هناك”. “ما الذي يجعل خطانا تقودنا إلى عكس الطريق، ونحن نعرف أنه عكس الطريق؟”…[نقطة النور]. “أتكلم طوال الوقت، ولكن مع نفسي، في رأسي حوار لا ينقطع”… [الحب في المنفى]. “آلاف من الناس يُصفعون كل يوم، ولكن قليلاً منهم من يشعر بالإهانة أو الغضب”… [قالت ضحى].
أبرز تصريحاته في 25 يونيو 2012 أي خلال حكم الإخوان:
“المثقف المصري أمامه أربع سنوات حالكة السواد في ظل الدولة الدينية التي يريد الإخوان المسلمون وحلفاؤهم من السلفيين فرضها في مصر”.
“أخشى السلفيين أكثر مما أخشى الإخوان، فعناصر التيار السلفي لا يقرأون ولا يطلعون على الفنون والأدب وحكمهم عليها مسبق بأنها كفر دون تمييز”.
“سنمر بفترة نتعرض لاستهداف أفكارنا ومحاولات تكميم أفواهنا وربما القتل.. ولكن في النهاية وبعد ثلاث أو أربع سنوات سيتغير كل ذلك”.
“الشعب سيتحول عنهم (الإسلاميين) وعن أفكارهم المتطرفة عندما يرى ممارساتهم في العلن”.
“الشعب لن يذعن” لمحاولات كسر ثورة 25 يناير التي أطاحت بالرئيس حسني مبارك بعد حكم دام 30 عاما.
لام علي الإعلام “تشويه صورة الكثير من شباب الثورة عن طريق اختيار تقديم فقط الذين يعرفون أنهم سيقولون ما يريده القائمون علي وسائل إعلام الدولة”، ووصف المشهد السياسي في مصر بأنه “يُشبه خليطا بين روايات المسخ والمحاكمة والقلعة لفرانز كافكا التي ضمنها الكاتب التشيكي أقوى عناصر مدرسته التي يطلق عليها الكابوسية”.
متوافق مع معايير الصحافة الموثوقة
المزيد: SWI swissinfo.ch تحصل على الاعتماد من طرف "مبادرة الثقة في الصحافة"
يمكنك العثور على نظرة عامة على المناقشات الجارية مع صحفيينا هنا . ارجو أن تنضم الينا!
إذا كنت ترغب في بدء محادثة حول موضوع أثير في هذه المقالة أو تريد الإبلاغ عن أخطاء واقعية ، راسلنا عبر البريد الإلكتروني على arabic@swissinfo.ch.